الحملات العسكرية الآشورية – الدوافع والتداعيات
Keywords:
الحملات العسكرية الآشورية, الدوافع والتداعياتAbstract
يعد التاريخ الآشوري في بلاد الرافدين من أطولها زمناً، وعليه فقط قسمه الباحثون إلى ثلاث مدد زمنية بدءاً من العصر البابلي القديم، ويمكن اعتبار العام 2006 ق.م سقوط سلالة أور الثالثة بداية الظهور للقوة الآشورية وتبلورها لاحقاً إلى إمبراطورية وصولاً إلى العام 612-605 ق.م نهاية الدور السياسي والعسكري للآشوريين.
خلالها أثبتوا مقدرتهم الإدارية والعسكرية منذ العصر القديم، إذ كانت الحروب توسعية اقتصرت على بعض التحركات العسكرية، بيد أنه في عصر الملك شمشي أدد الأول كانت الحرب ضد مملكة ماري توسعية وانتقامية فضلاً عن كونها تمثل تدخلاً عسكرياً لصالح إنهاء مملكة ماري أي ضمها.
ومع العصر الوسيط ولحظة خضوع بلاد آشور لمملكة الميتانيين كانت هي الفارق في حياة الآشوريين ونقطة الانطلاق نحو التخلص أولاً من الهيمنة الميتانية والانتقال لمبدأ الهجوم، ولذا أرى أن الحروب الآشورية هي من باب أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم فكانت بداية دوافع الحروب دفاعية ثم تطورت إلى الهجومية والانتقامية أو التأديبية، ويكفي أن يمتنع الملك الخاضع للسلطة الآشورية عن دفع الجزية حتى يكون السبب في مقتله وتدمير مملكته.
إذاً الحرب كانت لها دوافع اقتصادية والسيطرة على طرق التجارة القديمة مع مواقع المناجم لاسيما الحديد والنحاس فضلاً عن التوسع والسيطرة، ولا ننسى الأيدي العاملة. ولتحقيق الأهداف اعتمد الآشوريون على تهيئة جيش قوي ذي تسليح متقدم وقتذاك، لذلك يعد الجيش الآشوري الأقوى عدة وعدد في العالم القديم، وكان للحديد دور متميز في نوعية السلاح المستخدم فضلاً عن التدريب والتنظيم.
ضمن الآشوريون من حروبهم الحصول على الأموال والسلع والهدايا فضلاً عن الأسرى كأيدي عاملة، واتبعوا سياسة الترحيل ضد المدن التي كثيراً ما تثور ضدهم أو التي تمتنع عن دفع الجزية (صورة من صور الاقتصاد الآشوري).
إن ظاهرة التهجير القسري التي اتبعها الآشوريون كان هدفها عدم تكرار محاولات التمرد والتخلص من الحكم الآشوري وسياسات التدمير هدفها اقتصادي سياسي هو حرمان المدن المتمردة من مواردها الاقتصادية، وبالتالي لا تقوى على إعادة المحاولات مرة أخرى. وبخصوص دفع الجزية أو هدايا الولاء فهي باب من أبواب الاقتصاد وإن كان الهدف منها خضوع واعتراف بشرعية الحكم إلا أنها ساهمت في رفد الاقتصاد الآشوري بالسلع والمعادن وهو نوع من أنواع التجارة "نقصد بها الجزية" مع مراعاة الحرب النفسية من خلال تعداد مواد الجزية، وفي ذات الوقت إعلامية لإرهاب الخصوم وكلها مغلفة بمردود ديني وكأنها هبة لإله المدينة آشور وبمباركة منه وبمساعدته قد حقق الملك نصره.
يتضح مما ذكرناه أن دوافع واسباب الحملات العسكرية متعددة ومختلفة منها الدفاعية ومنها التأديبية أو الانتقامية لاسيما التمرد وقطع الجزية أو الامتناع عن تأديتها، فضلاً عن الحروب ضد القبائل للسيطرة على طرق الإمداد والتجارة في المنطقة فضلاً عن التوسع والسلطة وكلها تصب في الجانب الاقتصادي ومنها توفير أيادي عاملة من الأسرى والحرفيين وكذلك المرتزقة للخدمة في صفوف الجيش الآشوري. هذا كله قاد في النهاية إلى ضعف الإمبراطورية الآشورية وتفككها وإنهاك اقتصادها وإصابة أفراد الجيش الآشوري بضغط نفسي سرعان ما أدى إلى انهيارها بعد التحالف الثلاثي الذي جمع الكلديين عن بابل والميديين شرقاً والسيكيثيين (قبائل الشمال) وإلحاق الهزيمة بالآشوريين وإسقاط عاصمتهم نينوى كلها اجتمعت بعد هزيمة آشور في مصر وانسلاخ الأجزاء الغربية عن التبعية الاشورية فكانت عاملاً حاسماً في الهزيمة والسقوط.
إن أبرز تداعيات الحملات المتكررة إضعاف الاقتصاد والإمكانيات المادية فضلاً عن تدمير المدن وإحراقها وإفراغها من سكانها وإمكانياتها (الغنائم) أدى إلى زيادة الشعور النفسي بالظلم، وهذا ما يفسر كثرة الثورات والتمردات فضلاً عن التحريض سواء من مصر القديمة أم من مملكة عيلام أم مملكة أورارتو.
لقد اتبع الآشوريون سياسة التهجير والتدمير (سياسة الأرض المحروقة)، وهذا قاد إلى ظهور أقليات في نسيج المجتمع الآشوري، ومع اختلاف الثقافات والأديان أو المعتقدات قاد في أحيان إلى تمازج واندماج لاحظناه في الفن الآشوري على سبيل المثال ونعني الحيوانات المجنحة والإنسان المجنح وإن كان التجنيح قد ظهر أواخر العصر البابلي القديم، إلا أننا نرجح تأثر الفنان الآشوري بالمعتقدات السائدة من الأقوام التي كانت تقطن بلاد الشام.
في ذات الوقت لا نستبعد أن تكون للأقليات الحالية جذور تاريخية تعود إلى زمن الحقبة الآشورية، ولها امتداد تاريخي متأصل.
وعلى أية حال قادت الحملات إلى تدمير المدن والممالك مع إفراغها اقتصادياً ومادياً وزيادة النقمة الاجتماعية، وهذا هو سبب كثرة الثورات واتحاد الخصوم أو الأعداء في جبهة واحدة للتخلص من عدوهم المشترك، وهو ما حصل فعلاً في إسقاط نينوى وفق أساس القاعدة "عدو عدوي صديقي".
ومع ازدياد الثراء الآشوري ازداد الفقر في الجانب الآخر المقابل، ومع الفقر تزداد المعاناة وهو الذي يولد الكراهية ويعمل كالنار في الهشيم فتتولد الثورات والانتفاضات التي تقود إلى الحروب والدمار والانتقام.
تفككت الإمبراطورية الآشورية بعد ضياع مصر التي سرعان ما استعادت نشاطها الدبلوماسي في عهد بسماتيك الأول مؤسس السرة 26 وتحالفه مع الإغريق والليديين ضد الآشوريين واستعادة بلاد الشام مع نمو المملكة الكلدية في بابل وقوة القبائل السيكيثية والسميرية في الأناضول وقوة المملكة الميدية كلها عوامل قادت إلى الانهيار المتوقع عام 612 ق.م.
وبذلك فمعادلة كثرة الحملات والحروب تقود إلى ضعف الاقتصاد وانهياره يؤدي إلى السقوط والفقر وضعف المجتمع.
References
(1) طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1، ط1، مطبعة الحوادث، بغداد، 1973، ص471-474.
(2) صلاح رشيد الصالحي، بلاد الرافدين: دراسة في تاريخ وحضارة العراق القديم، ج2، ط1، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 2017، ص111-112.
(3) المصدر نفسه، ص122.
(4) جورج رو، العراق القديم، ترجمة: حسين علوان حسين، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1984، ص352-353.
(5) المصدر نفسه، ص354.
(6) ليو أوبنهايم، بلاد ما بين النهرين، ترجمة: سعدي فيضي عبد الرزاق، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981، ص207-208.
(7) طه باقر، مصدر سابق، ص488.
(8) محمود حمّود، الممالك الآرامية السورية، دار آرام للنشر والتوزيع، دمشق، 2019، ص54.
(9) دونالد ريدفورد، مصر وكنعان وإسرائيل في العصور القديمة، ترجمة: بيومي قنديل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2013، ص509.
(10) صلاح رشيد الصالحي، مصدر سابق، ص134-136.
(11) عبد الرضا الطعان، الفكر السياسي في العراق القديم، القسم الأول، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1981، ص184.
(12) طه باقر، مصدر سابق، ص389.
(13) صلاح رشيد الصالحي، مصدر سابق، ص139-142.
(14) جورج كونتينو، الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور، ترجمة: سليم طه التكريتي وبرهان عبد التكريتي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1979، ص224.
(15) المصدر نفسه، ص250-252.
(16) المصدر السابق، ص253، 372.
(17) طه باقر، مصدر سابق، ص535-536.
(18) هاري ساكز، عظمة بابل، ترجمة: د. عامر سليمان، الموصل، 1979، ص299-300.
(19) هاري ساكز، الحياة اليومية في العراق القديم-بلاد بابل وآشور، ترجمة: كاظم سعد الدين، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2017، ص174-175.
(20) المصدر نفسه، ص176-177.
(21) المصدر السابق، ص186.
(22) صلاح رشيد الصالحي، مصدر سابق، ص168.
(23) المصدر نفسه، ص38-39.
(24) المصدر السابق، ص161.
(25) المصدر السابق، ص162.
(26) جورج رو، مصدر سابق، ص384.
(27) المصدر نفسه، ص388-390.
(28) طه باقر، مصدر سابق، ص499.
(29) المصدر نفسه، ص504.
(30) محمود حمّود، مصدر سابق، ص70.
(31) رونالد ريدفورد، مصدر سابق، ص515، 523.
(32) هاري ساكز، عظمة بابل، مصدر سابق، ص141.
(33) هاري ساكز، الحياة اليومية، مصدر سابق، ص164.
(34) صلاح رشيد الصالحي، مصدر سابق، ص193.
(35) جورج كونتينو، مصدر سابق، ص266.
(36) طه باقر، مصدر سابق، ص513.
(37) محمود حمّود، مصدر سابق، ص74.
(38) صلاح رشيد الصالحي، القبائل السميرية والأسيكيثية-الردع الآشوري والأخميني ضد القبائل الهندوأوروبية، مجلة مركز إحياء التراث العلمي العربي، العدد الثاني، بغداد، 2010-2011، ص170-202.
(39) صلاح رشيد الصالحي، بلاد الرافدين، مصدر سابق، ص198.
(40) جورج رو، مصدر سابق، ص427.
(41) نائل حنون، حقيقة السومريين ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسمارية، دار الزمان، ط1، دمشق، 2007، ص149.
(42) رونالد ريدفورد، مصدر سابق، ص529-530.
(43) المصدر نفسه، ص531-533.
(44) صلاح رشيد الصالحي، بلاد الرافدين... مصدر سابق، ص206.
(45) المصدر نفسه، ص207.
(46) جورج رو، مصدر سابق، ص441-445.
(47) جورج كونتينو، مصدر سابق، ص271.
(48) للاستزادة راجع: صلاح رشيد الصالحي، القبائل السميرية... مصدر سابق، ص170-202.
Downloads
Published
Issue
Section
License
This work is licensed under a Creative Commons Attribution 4.0 International License.
Copyright and Licensing:
For all articles published in Journal of Studies in History and Archeology, copyright is retained by the authors. Articles are licensed under an open access Creative Commons CC BY 4.0 license, meaning that anyone may download and read the paper for free. In addition, the article may be reused and quoted provided that the original published version is cited. These conditions allow for maximum use and exposure of the work.
Reproducing Published Material from other Publishers: It is absolutely essential that authors obtain permission to reproduce any published material (figures, schemes, tables or any extract of a text) which does not fall into the public domain, or for which they do not hold the copyright. Permission should be requested by the authors from the copyrightholder (usually the Publisher, please refer to the imprint of the individual publications to identify the copyrightholder).
Permission is required for: Your own works published by other Publishers and for which you did not retain copyright.
Substantial extracts from anyones' works or a series of works.
Use of Tables, Graphs, Charts, Schemes and Artworks if they are unaltered or slightly modified.
Photographs for which you do not hold copyright.
Permission is not required for: Reconstruction of your own table with data already published elsewhere. Please notice that in this case you must cite the source of the data in the form of either "Data from..." or "Adapted from...".
Reasonably short quotes are considered fair use and therefore do not require permission.
Graphs, Charts, Schemes and Artworks that are completely redrawn by the authors and significantly changed beyond recognition do not require permission.
Obtaining Permission
In order to avoid unnecessary delays in the publication process, you should start obtaining permissions as early as possible. If in any doubt about the copyright, apply for permission. Al-Adab Journal cannot publish material from other publications without permission.
The copyright holder may give you instructions on the form of acknowledgement to be followed; otherwise follow the style: "Reproduced with permission from [author], [book/journal title]; published by [publisher], [year].' at the end of the caption of the Table, Figure or Scheme.